سورة إبراهيم - تفسير تفسير أبي حيان

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


هذه السورة مكية كلها في قول الجمهور، وعن ابن عباس وقتادة، هي مكية إلا من قوله: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً} الآية إلى قوله {إلى النار} وارتباط أول هذه السورة بالسورة قبلها واضح جداً، لأنه ذكر فيها: {ولو أن قرآناً} ثم {وكذلك أنزلناه حكماً عربياً} ثم {ومن عنده علم الكتاب} فناسب هذا قوله الر كتاب أنزلناه إليك. وأيضاً فإنهم لما قالوا على سبيل الاقتراح {لولا أنزل عليه آية من ربه} وقيل له: {قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب} أنزل الر كتاب أنزلناه إليك كأنه قيل: أو لم يكفهم من الآيات كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات هي الضلال، إلى النور وهو الهدى.
وجوزوا في إعراب الر أن يكون في موضع رفع بالابتداء، وكتاب الخبر، أو في موضع رفع على خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذه الر، وفي موضع نصب على تقدير: الزم أو اقرأ الر. وكتاب أنزلناه إليك جملة مفسرة في هذين الإعرابين، وكتاب مبتدأ. وسوغ الابتداء به كونه موصوفاً في التقدير أي: كتاب أي: عظيم أنزلناه إليك. وجوزوا أن يكون كتاب خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا كتاب، وأنزلناه جملة في موضع الصفة. وفي قوله: أنزلناه. وإسناد الإنزال إلى نون العظمة ومخاطبته تعالى بقوله إليك، وإسناد الإخراج إليه عليه الصلاة والسلام، تنويه عظيم وتشريف له صلى الله عليه وسلم من حيث المشاركة في تحصيل الهداية بإنزاله تعالى، وبإخراجه عليه الصلاة والسلام، إذ هو الداعي والمنذر، وإن كان في الحقيقة مخترع الهداية هو الله تعالى. والناس عام، إذ هو مبعوث إلى الخلق كلهم، والظلمات والنور مستعاران للكفر والإيمان. ولما ذكر علة إنزال الكتاب وهي قوله: لتخرج قال: بإذن ربهم، أي: ذلك الإخراج بتسهيل مالكهم الناظر في مصالحهم، إذ هم عبيده، فناسب ذكر الرب هنا تنبيهاً على منة المالك، وكونه ناظراً في حال عبيدة. وبإذن ظاهره التعلق بقوله: لتخرج. وجوز أبو البقاء أن يكون بإذن ربهم في موضع الحال قال: أي مأذوناً لك. وقال الزمخشري: بإذن ربهم بتسهيله وتيسيره، مستعار من الإذن الذي هو تسهيل الحجاب، وذلك ما يمنحهم من اللطف والتوفيق انتهى. وفيه دسيسة الاعتزال.
والظاهر أن قوله: إن صراط، بدل من قوله إلى النور، ولا يضر هذا الفصل بين المبدل منه والبدل، لأنّ بإذن معمول للعامل في المبدل منه وهو لتخرج. وأجاز الزمخشري أن يكون إلى صراط على وجه الاستئناف، كأنه قيل: إلى أي نور، فقيل: إلى صراط العزيز الحميد. وقرئ: ليخرج مضارع خرج بالياء بنقطتين من تحتها، والناس رفع به. ولما كان قوله: إلى النور، فيه إبهام مّا أوضحه بقوله: إلى صراط.
ولما تقدم شيئان أحدهما إسناد إنزال هذا الكتاب إليه. والثاني إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، ناسب ذكر هاتين الصفتين صفة العزة المتضمنة للقدرة والغلبة وذلك من حيث إنزال الكتاب، وصفة الحمد المتضمنة استحقاقه الحمد من حيث الإخراج من الظلمات إلى النور، إذ الهداية إلى الإيمان هي النعمة التي يجب على العبد الحمد عليها والشكر. وتقدمت صفة العزيز، لتقدم ما دل عليها، وتليها صفة الحميد لتلو ما دل عليها. وقرأ نافع وابن عامر الله بالرفع فقيل: مبتدأ محذوف أي: هو الله. وهذا الإعراب أمكن لظهور تعلقه بما قبله، وتفلته على التقدير الأول. وقرأ باقي السبعة والأصمعي عن نافع: الله بالجر على البدل في قول ابن عطية، والحوفي، وأبي البقاء. وعلى عطف البيان في قول الزمخشري قال: لأنه جرى مجرى الأسماء الأعلام لغلبته واختصاصه بالمعبود الذي يحق له العبادة، كما غلب النجم على الثريا انتهى. وهذا التعليل لا يتم إلا على تقدير: أن يكون أصله الإله، ثم نقلت الحركة إلى لام التعريف وحذفت الهمزة، والتزم فيه النقل والحذف، ومادته إذ ذاك الهمزة واللام والهاء، وقد تقدمت الأقوال في هذا اللفظ في البسملة أول الحمد. وقال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور: لا تقدم صفة على موصوف إلى حيث سمع وذلك قليل، وللعرب فيما وجد من ذلك وجهان: أحدهما: أن تقدم الصفة وتبقيتها على ما كانت عليه، وفي إعراب مثل هذا وجهان: أحدهما: إعرابه نعتاً مقدماً، والثاني: أن يجعل ما بعد الصفة بدلاً. والوجه الثاني: أن تضيف الصفة إلى الموصوف إذا قدمتها انتهى. فعلى هذا الذي ذكره ابن عصفور يجوز أن يكون العزيز الحميد يعربان صفتين متقدمتين، ويعرب لفظ الله موصوفاً متأخراً. ومما جاء فيه تقديم ما لو تأخير لكان صفة، وتأخير ما لو تقدم لكان موصوفاً قول الشاعر:
والمؤمن العائذات الطير يمسحها *** ركبان مكة بين الغيل والسعد
فلو جاء على الكثير لكان التركيب: والمؤمن الطير العائذات، وارتفع ويل على الابتداء، وللكافرين خبره. لما تقدم ذكره الظلمات دعا بالهلكة على من لم يخرج منها، ومن عذاب شديد في موضع الصفة لويل. ولا يضر الفصل والخبر بين الصفة والموصوف، ولا يجوز أن يكون متعلقاً بويل لأنه مصدر ولا يجوز الفصل بين المصدر وما يتعلق به بالخبر. ويظهر من كلام الزمخشري أنه ليس في موضع الصفة. قال: (فإن قلت): ما وجه اتصال قوله من عذاب شديد بالويل؟ قلت: لأن المعنى أنهم يولون من عذاب شديد ويضجون منه، ويقولون يا ويلاه كقوله: {دعوا هنالك ثبورا} انتهى. وظاهره يدل على تقديره عامل يتعلق به من عذاب شديد، ويحتمل هذا العذاب أن يكون واقعاً بهم في الدنيا، أو واقعاً بهم في الآخرة. والاستحباب الإيثار والاختيار، وهو استفعال من المحبة، لأنّ المؤثر للشيء على غيره كأنه يطلب من نفسه يكون أحب إليها وأفضل عندها من الآخر.
ويجوز أن يكون استفعل بمعنى أفعل كاستجاب وأجاب، ولما ضمن معنى الإيثار عدي بعلى. وجوزوا في إعراب الذين أن يكون مبتدأ خبره أولئك في ضلال بعيد، وأن يكون معطوفاً على الذم، إما خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين، وإما منصوباً بإضمار فعل تقديره أذم، وأن يكون بدلا، وأن يكون صفة للكافرين. ونص على هذا الوجه الأخير الحوفي والزمخشري وأبو البقاء، وهو لا يجوز، لأن فيه الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي منهما وهو قوله: من عذاب شديد، سواء كان من عذاب شديد في موضع الصفة لويل، أم متعلقاً بفعل محذوف أي: يضجون ويولولون من عذاب شديد. ونظيره إذا كان صفة أن تقول: الدار لزيد الحسنة القرشي، فهذا التركيب لا يجوز، لأنك فصلت بين زيد وصفته بأجنبي منهما وهو صفة الدار، والتركيب الفصيح أن تقول: الدار الحسنة لزيد القرشي، أو الدار لزيد القرشي الحسنة وقرأ الحسن: ويصدون مضارع أصد، الداخل عليه همزة النقل من صد اللازم صدوداً. وتقدم الكلام على قوله تعالى: {ويبغونها عوجاً} في آل عمران، وعلى وصف الضلال بالبعد قوله عز وجل: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه}.


سبب نزولها أنّ قريشاً قالوا: ما بال الكتب كلها أعجمية وهذا عربي؟ فنزلت. وساق قصة موسى أنه تعالى أرسله إلى قومه بلسانه، أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور، كما أرسلك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور. والظاهر أن قوله: وما أرسلنا من رسول، العموم فيندرج فيه الرسول عليه الصلاة والسلام. فإن كانت الدعوة عامة للناس كلهم، أو اندرج في اتباع ذلك الرسول من ليس من قومه، كان من لم تكن لغته لغة ذلك النبي موقوفاً على تعلم تلك اللغة حتى يفهمها، وأن يرجع في تفسيرها إلى من يعلمها. وقيل: في الكلام حذف تقديره: وما أرسلنا من رسول قبلك إلا بلسان قومه، وأنت أرسلناك للناس كافة بلسان قومك، وقومك يترجمون لغيرهم بألسنتهم، ومعنى بلسان قومه: بلغة قومه.
وقرأ أبو السمال، وأبو الجوزاء، وأبو عمران الجوني: بلسن بإسكان السين، قالوا: هو كالريش والرياش. وقال صاحب اللوامح: واللسن خاص باللغة، واللسان قد يقع على العضو، وعلى الكلام. وقال ابن عطية مثل ذلك قال: اللسان في هذه الآية يراد به اللغة، ويقال: لسن ولسان في اللغة، فأما العضو فلا يقال فيه لسن. وقرأ أبو رجاء، وأبو المتوكل، والجحدري: لسن بضم اللام والسين، وهو جمع لسان كعماد وعمد. وقرئ أيضاً بضم اللام وسكون السين مخفف كرسل ورسل، والضمير في قومه عائد على رسول أي: قوم ذلك الرسول. وقال الضحاك: والضمير في قومه عائد على محمد صلى الله عليه وسلم قال: والكتب كلها نزلت بالعربية، ثم أداها كل نبي بلغة قومه. قال الزمخشري: وليس بصحيح، لأنّ قوله: ليبين لهم، ضمير القوم وهم العرب، فيؤدي إلى أنّ الله أنزل التوراة من السماء بالعربية ليبين للعرب، وهذا معنى فاسد انتهى. وقال الكلبي: جميع الكتب أدت إلى جبريل بالعربية، وأمره تعالى أن يأتي رسول كل قوم بلغتهم. وأورد الزمخشري هنا سؤالاً وابن عطية أخرهما في كتابيهما، ويقول: قامت الحجة على البشر بإذعان الفصحاء الذين يظن بهم القدرة على المعارضة وإقرارهم بالعجز، كما قامت بإذعان السحرة لموسى، والأطباء لعيسى عليهما السلام. وبين تعالى العلة في كون من أرسل من الرسل بلغة قومه وهي التبيين لهم، ثم ذكر أنه تعالى يضل من يشاء إضلاله، ويهدي من يشاء هدايته، فليس على ذلك الرسول غير التبليغ والتبيين، ولم يكلف أن يهدي بل ذلك بيد الله على ما سبق به قضاؤه وهو العزيز الذي لا يغالب، الحكيم الواضع الأشياء على ما اقتضته حكمته وإرادته. وقال الزمخشري: والمراد بالإضلال التخلية ومنع الإلطاف، وبالهداية التوفيق واللطف، وكان ذلك كناية عن الكفر والإيمان، وهو العزيز فلا يغلب على مشيئته، الحكيم فلا يخذل إلا أهل الخذلان، ولا يلطف إلا بأهل اللطف انتهى.
وهو على طريقة الاعتزال والجمهور على تفسير قوله: بآياتنا، إنها تسع الآيات التي أجراها الله على يد موسى عليه السلام. وقيل: يجوز أن يراد بها آيات التوراة، والتقدير: كما أرسلناك يا محمد بالقرآن بلسان عربي وهو آياتنا، كذلك أرسلنا موسى بالتوارة بلسان قومه، وأن أخرج يحتمل أن أن تكون تفسيرية، وأن تكون مصدرية، ويضعف زعم من زعم أنها زائدة. وفي قوله: قومك خصوص لرسالته إلى قومه، بخلاف لتخرج الناس، والظاهر أنّ قومه هم بنو إسرائيل. وقيل: القبط. فإن كانوا القبط فالظلمات هنا الكفر، والنور الإيمان، وإن كانوا بني إسرائيل وقلنا: إنهم كلهم كانوا مؤمنين، فالظلمات ذل العبودية، والنور العزة بالدين وظهور أمر الله. وإن كانوا أشياعاً متفرقين في الدين، قوم مع القبط في عبادة فرعون، وقوم على غير شيء، فالظلمات الكفر والنور الإيمان. قيل: وكان موسى مبعوثاً إلى القبط وبني إسرائيل. وقيل: إلى القبط بالاعتراف بوحدانية الله، وأن لا يشرك به، والإيمان بموسى، وأنه نبي من عند الله، وإلى بني إسرائيل بالتكليف وبفروع شريعته إذ كانوا مؤمنين. ويحتمل وذكرهم أن يكون أمراً مستأنفاً، وأن يكون معطوفاً على أن أخرج، فيكون في حيزان. وأيام الله قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة: نعم الله عليهم، ورواه أبي مرفوعاً. ومنه قول الشاعر:
وأيام لنا غرّ طوال *** عصينا الملك فيها إن ندينا
وعن ابن عباس أيضاً، ومقاتل، وابن زيد: وقائعه ونقماته في الأمم الماضية، ويقال: فلان عالم بأيام العرب أي وقائعها وحروبها وملاحمها: كيوم ذي قار، ويوم الفجار، ويوم فضة وغيرها. وروي نحوه عن مالك قال: بلاؤه. وقال الشاعر:
وأيامنا مشهورة في عدونا ***
أي وقائعنا. وعن ابن عباس أيضاً: نعماؤه وبلاؤه، واختاره الطبري، فنعماؤه: بتظليله عليهم الغمام، وإنزال المنّ والسلوى، وفلق البحر. وبلاؤه: باستعباد فرعون لهم، وتذبيح أبنائهم، وإهلاك القرون قبلهم. وفي حديث أبيّ في قصة موسى والخضر عليهما السلام، بينما موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام الله، وأيام الله بلاؤه ونعماؤه، واختار الطبري هذا القول الآخر. ولفظة الأيام تعم المعنيين، لأنّ التذكير يقع بالوجهين جميعاً. وفي هذه اللفظة تعظيم الكوائن المذكر بها. وعبر عنها بالظرف الذي وقعت فيه. وكثيراً ما يقع الإسناد إلى الظرف، وفي الحقيقة الإسناد لغيرها كقوله: بل مكر الليل والنهار، ومن ذلك قولهم: يوم عبوس، ويوم عصيب، ويوم بسام. والحقيقة وصف ما وقع فيه من شدّة أو سرور. والإشارة بقوله: إن في ذلك، إلى التذكير بأيام الله. وصبار، شكور، صفتا مبالغة، وهما مشعرتان بأنّ أيام الله المراد بهما بلاؤه ونعماؤه أي: صبار على بلائه، شكور لنعمائه. فإذا سمع بما أنزل الله من البلاء على الأمم، أو بما أفاض عليهم من النعم، تنبه على ما يجب عليه من الصبر إذا أصابه بلاء، من والشكر إذا أصابته نعماء، وخص الصبار والشكور لأنهما هما اللذان ينتفعان بالتذكير والتنبيه ويتعظان به. وقيل: أراد لكل مؤمن ناظر لنفسه، لأنّ الصبر والشكر من سجايا أهل الإيمان.


لما تقدم أمره تعالى لموسى بالتذكير بأيام الله، ذكرهم بما أنعم تعالى عليهم من نجاتهم من آل فرعون، وفي ضمنها تعداد شيء مما جرى عليهم من نقمات الله. وتقدم إعراب إذ في نحو هذا التركيب في قوله: {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء} وتفسير نظير هذه الآية، إلا أنَّ هنا: ويذبحون بالواو، وفي البقرة بغير واو، وفي الأعراف {يقتلون} فحيث لم يؤت بالواو وجعل الفعل تفسيراً لقوله: يسومونكم. وحيث أتى بها دلّ على المغايرة. وأنّ سوم سوء العذاب كان بالتذبيح وبغيره، وحيث جاء يقتلون جاء باللفظ المطلق المحتمل للتذبيح، ولغيره من أنواع القتل. وقرأ ابن محيصن: ويذبحون مضارع ذبح ثلاثياً، وقرأ زيد بن علي كذلك، إلا أنه حذف الواو. وتقدم شرح تأذن وتلقيه بالقسم في قوله في الأعراف: {وإذ تأذن ربك ليبعثن} واحتمل إذ أن يكون منصوباً باذكروا، وأن يكون معطوفاً على إذ أنجاكم، لأنّ هذا الإعلام بالمزيد على الشكر من نعمه تعالى. والظاهر أنّ متعلق الشكر هو الإنعام أي: لئن شكرتم إنعامي، وقاله الحسن والربيع. قال الحسن: لأزيدنكم من طاعتي. وقال الربيع: لأزيدنكم من فضلي. وقال ابن عباس: أي لئن وحدتم وأطعتم لأزيدنكم في الثواب. وكأنه راعى ظاهر المقابلة في قوله: ولئن كفرتم إن عذابي لشديد. وظاهر الكفر المراد به الشرك، فلذلك فسر الشكر بالتوحيد والطاعة وغيره. قال: ولئن كفرتم، أي نعمتي فلم تشكروها، رتب العذاب الشديد على كفران نعمة الله تعالى، ولم يبين محل الزيادة، فاحتمل أن يكون في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما، وجاء التركيب على ما عهد في القرآن من أنه إذا ذكر الخبر أسند إليه تعالى. وإذ ذكر العذاب بعده عدل عن نسبته إليه فقال: لأزيدنكم، فنسب الزيادة إليه وقال: إنّ عذابي لشديد، ولم يأت التركيب لأعذبنكم، وخرج في لأزيدنكم بالمفعول، وهنا لم يذكر، وإن كان المعنى عليه أي: إنّ عذابي لكم لشديد. وقرأ عبد الله: وإذ قال ربكم، كأنه فسر قوله: تأذن، لأنه بمعنى أذن أي: أعلم، وأعلم يكون بالقول. ثم نبه موسى عليه السلام قومه على أنّ الباري تعالى، وإن أوعد بالعذاب الشديد على الكفر، فهو غير مفتقر إلى شكركم، لأنه تعالى هو الغني عن شكركم، الحميد المستوجب الحمد على ما أسبغ من نعمه، وإن لم يحمده الحامدون، فثمرة شكركم إنما هي عائدة إليكم. وأنتم خطاب لقومه وقال: ومن في الأرض يعني: الناس كلهم، لأنّ من كان في العالم العلوي وهم الملائكة لا يدخلون في من في الأرض، وجواب أنْ تكفروا محذوف لدلالة المعنى التقدير: فإنما ضرر كفركم لاحق بكم، والله تعالى متصف بالغني المطلق. والحمد سواء. كفروا أم شكروا، وفي خطابه لهم تحقير لشأنهم، وتعظيم لله تعالى، وكذلك في ذكر هاتين الصفتين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6